فصل: (فَصْلٌ): (هبةُ الرَّقِيقِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [هبةُ الرَّقِيقِ]:

(وَمَنْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ قِنًّا) لِغَيْرِ وَارِثِهِ (فِي مَرَضِهِ، فَكَسَبَ) الرَّقِيقُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ، فَخَرَجَ) الرَّقِيقُ (مِنْ الثُّلُثِ فَكَسْبُ مُعْتَقٍ لَهُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ صَارَ حُرًّا، فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ (وَ) كَانَ كَسْبُ قِنٍّ (مَوْهُوبٍ لِمُتَّهِبٍ) لِأَنَّ الْكَسْبَ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مَوْهُوبًا لَهُ. (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ)- أَيْ: الْعَتِيقِ أَوْ الْمَوْهُوبِ- مِنْ الثُّلُثِ دُونَ بَقِيَّتِهِ (فَلَهُمَا)- أَيْ: الْعَتِيقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ- (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ الْبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الثُّلُثِ- فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ رُبْعُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ رُبْعُ كَسْبِهِ، وَبَاقِيه لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ، وَبَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ، وَهَكَذَا، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ. (فـَ) مِنْ ذَلِكَ (لَوْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (قِنًّا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَكَسْبُ) الْعَتِيقِ (مِثْلُ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ؛ فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ حِينَ أَعْتَقَهُ وَبَاقِيهِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ مَا تَنْفُذُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ، دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ التَّرِكَةُ تُتْبَعُ بِحِصَّةِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْعِتْقِ مِلْكٌ لِلْعَبْدِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ، وَإِذَا اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ (فَيَزْدَادُ بِهِ)- أَيْ: بِكَسْبِهِ- (مَالُهُ)- أَيْ: مَالُ الْعَبْدِ- (وَتَزْدَادُ حُرِّيَّتُهُ لِذَلِكَ) الْكَسْبِ (وَيَزْدَادُ حَقُّهُ مِنْ كَسْبِهِ) وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا نُقْصَانُ حِصَّةِ التَّرِكَةِ (فَيَنْقُصُ) بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْ الْكَسْبِ، وَيَنْقُصُ (بِذَلِكَ قَدْرُ الْعِتْقِ مِنْهُ) فَتَزِيدُ الْحُرِّيَّةُ، فَتَدُورُ زِيَادَتُهُ عَلَى نُقْصَانِهِ، وَنُقْصَانُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ، وَلِاسْتِخْرَاجِ الْمَقْصُودِ وَانْفِكَاكِ الدَّوْرِ طُرُقٌ حِسَابِيَّةٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِالْجَبْرِ، فَيُقَالُ قَدْ عَتَقَ مِنْهُ)- أَيْ: الْعَبْدُ- (شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُهُ، (وَلِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْ كَسْبِهِ شَيْئَانِ) لِأَنَّ لَهُمْ مِثْلَيْ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُحْبَسُ عَلَى الْمُكْتَسِبِ مَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ (فَصَارَ) الْعَبْدُ (وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِعِتْقِهِ شَيْئًا وَبِكَسْبِهِ شَيْئًا؛ كَانَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ. (يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ) غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ، (وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا) أَيْ: نِصْفُ الْمُكْتَسِبِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ. (فَلَوْ كَانَ) الْعَبْدُ (يُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ، فَكَسَبَ) قَبْلَ الْوَفَاةِ (مِثْلَهَا) اثْنَيْ عَشَرَ (عَتَقَ) مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ الْكَسْبِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَقَدْ عَتَقَ (نِصْفُهُ وَأَخَذَ سِتَّةً) لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ (وَلِوَارِثٍ نِصْفُهُ)- أَيْ: الْعَبْدِ- (وَسِتَّةٌ) مِنْ كَسْبِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ. (وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ) مِنْ كَسْبِهِ (شَيْئَانِ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلَاهُ (وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِوَارِثٍ شَيْئَانِ) فَيُقْسَمُ هُوَ وَكَسْبُهُ أَخْمَاسًا، (فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) وَهُوَ خُمْسَاهُ وَخُمُسَا كَسْبِهِ (لِوَارِثٍ) وَإِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ؛ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَلَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ الْبَاقِي. (وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُ نِصْفِهِ (وَلِوَارِثٍ شَيْئَانِ) فَالْجَمِيعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَنِصْفٍ اُبْسُطْهَا تَكُنْ سَبْعَةً. لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا (فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ (لِوَارِثٍ). تَكْمِيلٌ: فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ صُرِفَ فِيهِ نِصْفُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ كَسْبِهِ وَقُسِّمَ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُعْتَقِ نِصْفَيْنِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكَسْبِ. فَإِنْ كَسَبَ الْعَبْدُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَلِلسَّيِّدِ مَالٌ مِثْلُ قِيمَتِهِ؛ قَسَمْتَ الْعَبْدَ وَمِثْلَ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ: فَلِكُلِّ شَيْءٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَيُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَكَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ قِيمَتِهِ؛ لَكَمُلَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْأَوَّلِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، وَيُقْسَمُ الْعَبْدَانِ وَكَسْبُهُمَا عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ شَيْءٍ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الْأَدْنَى عَتَقَ كُلُّهُ، وَأَخَذَ كَسْبَهُ، وَتَسْتَحِقُّ الْوَرَثَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَكَسْبِهِ مِثْلَيْ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ وَهُوَ نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَيُعْتَقُ رُبْعُهُ، وَلَهُ رُبْعُ كَسْبِهِ [وَيَرِقُّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ]، وَيَتْبَعُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ وَذَلِكَ مِثْلَا مَا انْعَتَقَ مِنْهُمَا، وَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ دَفْعَةً وَاحِدَةً قَرَعْنَا بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ أَحَدِهِمْ وَكَسْبُ أَحَدِهِمْ مِثْلُ قِيمَتِهِ؛ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ الدَّيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ؛ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمُكْتَسِبِ وَالْآخَرِ لِأَجْلِ الْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ؛ عَتَقَ كُلُّهُ، وَالْمُكْتَسِبُ وَمَالُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ، وَبَاقِيهِ وَبَاقِي كَسْبِهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَالٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. وَلَوْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُكْتَسِبِ لَقَضَيْنَا الدَّيْنَ بِنِصْفِهِ وَنِصْفِ كَسْبِهِ، ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَ بَاقِيهِ وَبَيْنَ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِهِ عَتَقَ كُلُّهُ، وَلِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ بَاقِيهِ، وَأَخَذَ بَاقِي كَسْبِهِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِتْمَامِ الثُّلُثِ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ.
(وَ) يَكُونُ الْحُكْمُ (فِي هِبَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ) مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ (وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَكَسَبَ تِسْعَةً فَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا، فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ، وَلِلْوَرَثَةِ مِائَتَا شَيْءٍ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَهُ مِائَتَا جُزْءٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَا جُزْءٍ مِنْ كَسْبِهِ. فَرْعٌ: رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي حَيَاتِهِ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْحَيُّ رَقِيقٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ نِصْفُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَرَثَةِ مِثْلَيْ نِصْفِهِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْحَيِّ؛ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَلَا يُحْسَبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (أَمَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا) الْمُعْتِقُ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً (وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتُهَا فَ) هُوَ (كَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ) أَيْ: فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ كَسَبَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا (فَيُعْتَقُ) مِنْهَا (ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا، سُبْعٌ بِمَا مَلَكَتْهُ) مِنْ نَفْسِهَا بِحَقِّهَا (مِنْ مَهْرِهَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (وَسُبْعَانِ) يُعْتَقَانِ (بِإِعْتَاقِ الْمَرِيضِ). قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَسْبَ يَزِيدُ بِهِ مِلْكُ السَّيِّدِ، ذَلِكَ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعِتْقِ وَالْمَهْرِ يَنْقُصُهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الْعِتْقِ. وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ وَهَبَهَا) الْمَرِيضُ (لِمَرِيضٍ آخَرَ لَا مَالَ لَهُ) أَيْضًا غَيْرَهَا (فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) وَمَاتَا جَمِيعًا (صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ، وَبَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ شَيْئَانِ) فَاضْرِبْ الشَّيْئَيْنِ وَالثُّلُثَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ؛ تَكُنْ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ (فَلَهُمْ)- أَيْ: لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ- (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) سِتَّةٌ (وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبْعُهَا) شَيْئَانِ، وَإِنْ شِئْت قُلْتَ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَهِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ، فَتَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ. اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ تِسْعَةً، أَسْقِطْ السَّهْمَ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ؛ بَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ وَطَرِيقُهَا بِالْجَبْرِ أَنْ تَقُولَ صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجَارِيَةِ، فَبَقِيَتْ جَارِيَةٌ إلَّا شَيْئًا، وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ الشَّيْءِ يَبْقَى مَعَ الْأَوَّلِ جَارِيَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ، وَهُوَ شَيْءٌ، وَضِعْفُهُ شَيْئَانِ، فَتُجْبَرُ الْجَارِيَةُ بِزِيَادَةِ ثُلُثَيْ شَيْءٍ، وَتُقَابَلُ بِزِيَادَتِهِمَا الشَّيْئَيْنِ، فَتَبْقَى جَارِيَةٌ كَامِلَةٌ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ، فَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأَشْيَاءِ فَتَقُولُ وَاحِدُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثُلُثَيْنِ، وَيَخْرُجُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الْأَوَّلِ، فَيَبْقَى مَعَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْجَارِيَةِ، وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ثَلَاثَةِ الْأَثْمَانِ، فَيَجْتَمِعُ مَعَ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ، وَهُوَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الْأَوَّلِ، وَمَعَ وَرَثَةِ الثَّانِي ثُمْنَانِ وَهُمَا ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَةُ الثَّانِي. (وَلَوْ) (بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي) الْقَفِيزُ (ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ) مِنْ جِنْسِهِ (يُسَاوِي عَشَرَةً، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ)، فَيُحْتَاجُ إلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مَعَ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا؛ لِامْتِنَاعِ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا (فَأَسْقِطْ) عَشَرَةً (قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ) ثَلَاثِينَ (قِيمَةِ الْجَيِّدِ، ثُمَّ اُنْسُبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ)- أَيْ: الثُّلُثُ- (عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ) الَّتِي هِيَ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ (تَجِدْهُ)- أَيْ: الثُّلُثَ- (نِصْفَهَا)- أَيْ: الْعِشْرِينَ- (فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ) الْقَفِيزِ (الْجَيِّدِ بِنِصْفِ) الْقَفِيزِ (الرَّدِيءِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِثَمَنٍ، فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَيَبْطُلُ) الْبَيْعُ (فِيمَا بَقِيَ) بَعْدَ نِصْفِهَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْجَيِّدِ بِقِيمَةِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ (لِئَلَّا يُفْضِيَ) تَصْحِيحُ الْبَيْعِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ (إلَى رِبَا الْفَضْلِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ؛ لِكَوْنِهِ بَيْعَ ثُلُثِ الْجَيِّدِ بِكُلِّ الرَّدِيءِ، وَذَلِكَ رِبًا (وَ) لَا شَيْءَ (لِمُشْتَرٍ) سِوَى (الْخِيَارِ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَإِنْ شِئْتَ) فِي عَمَلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَاضْرِبْ مَا حَابَاهُ) بِهِ، وَهُوَ عِشْرُونَ (فِي ثَلَاثَةٍ) مَخْرَجُ الثُّلُثِ (يَبْلُغُ سِتِّينَ، وَنِسْبَةُ قِيمَةِ جَيِّدٍ) ثَلَاثِينَ (إلَيْهَا) فَهُوَ (نِصْفٌ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ الثُّلُثَانِ، وَمَخْرَجُهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَخُذْ لِمُشْتَرٍ سَهْمَيْنِ مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ الْمَخْرَجِ- وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةُ) مِثْلَا مَا لِلْمُشْتَرِي (ثُمَّ اُنْسُبْ الْمَخْرَجَ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (إلَى الْكُلِّ) وَهُوَ السِّتَّةُ تَجِدْهُ (بِالنِّصْفِ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ) نِصْفِ (أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْآخَرِ) وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ ثُلُثَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثُلُثُهُ عَشَرَةٌ، فَانْسُبْهُمَا مِنْ الْمُحَابَاةِ وَهِيَ عِشْرُونَ؛ تَكُنْ النِّصْفَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ، وَهُوَ هُنَا نِصْفُ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ. وَبِطَرِيقِ الْجَبْرِ يُقَالُ يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْنَى قِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى، فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ مِنْ الْجَيِّدِ، فَأَلْقِهَا مِنْهُ يَبْقَ قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ تَعْدِلُ مِثْلَ الْمُحَابَاةِ مِنْهُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ، فَإِذَا جَبَرْت وَقَابَلْت عَدْلَ شَيْئَيْنِ؛ فَالشَّيْءُ نِصْفُ قَفِيزٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي عِشْرِينَ صَحَّتْ فِي جَمِيعِ الْجَيِّدِ بِجَمِيعِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَاعْمَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، يَصِحُّ بَيْعُ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ بِثُلُثِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهُ. (فَلَوْ لَمْ يُفِضْ إلَى رِبَا كَعَبْدٍ) بَاعَهُ الْمَرِيضُ (يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةً) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ (صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ)- أَيْ: الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ- (بِالْعَشَرَةِ)- أَيْ: بِالْعَبْدِ الْمُسَاوِي لَهَا- (وَالثُّلُثَانِ) مِنْ الْعَبْدِ الْمُسَاوِي ثَلَاثِينَ (كَالْهِبَةِ) لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لَهُمَا (لِلْمُبْتَاعِ نِصْفُهَا) وَهُوَ عَشَرَةٌ يَرُدُّهُ الْأَجْنَبِيُّ، وَيَأْخُذُ عَشَرَةً بِالْمُحَابَاةِ (وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ مَعَ وَارِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثِهِ)- أَيْ: الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ- (وَلَا مُحَابَاةَ) حَيْثُ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ فَسْخُ الْبَيْعِ؛ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَإِنْ) (أَقَالَ) الْمَرِيضُ فِي عَقْدٍ سَلَمٍ (مَنْ أَسْلَمَهُ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ مَثَلًا (فِي كُرٍّ) جَمْعُهُ أَكْرَارَ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ (حِنْطَةٍ وَقِيمَتُهُ)- أَيْ: الْكُرِّ- (عِنْدَ الْإِقَالَةِ ثَلَاثُونَ) مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ غَيْرُ الْكُرِّ (صَحَّتْ) الْإِقَالَةُ (فِي نِصْفِهِ)- أَيْ: الْكُرِّ- (بِخَمْسَةٍ) مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَانَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ رَدِيءٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَنْ تُسْقِطَ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ، وَتَنْسِبَ الثُّلُثَ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إلَى الْبَاقِي مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ بَعْدَ إسْقَاطِ قِيمَةِ الرَّدِيءِ مِنْهُ، فَأُسْقِطَ هُنَا قِيمَةُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَهُوَ عَشَرَةٌ مِنْ قِيمَةِ الْكُرِّ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَبْقَى عِشْرُونَ، اُنْسُبْ إلَيْهَا الثُّلُثَ وَهُوَ عَشَرَةٌ يَكُنْ نِصْفُ فَتْحِ الْإِقَالَةِ فِي نِصْفِ الْكُرِّ بِنِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَتَبْطُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ صِحَّتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ بِزِيَادَةٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَارِثًا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعُ الْوَارِثِ. (وَإِنْ) (أَصْدَقَ) الْمَرِيضُ (امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا)- أَيْ: الْمَرْأَةِ (خَمْسَةٌ، فَمَاتَتْ) تَحْتَهُ، ثُمَّ وَرِثَهَا (ثُمَّ مَاتَ) وَلَمْ يُخْلِفْ غَيْرَ مَا أَصْدَقَهَا؛ دَخَلَهَا الدَّوْرُ (فـَ) نَقُولُ (لَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ) الَّتِي هِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا (وَ) لَهَا (شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ) بَقِيَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ (رَجَعَ إلَيْهِ)- أَيْ: الزَّوْجِ- (نِصْفُهُ)- أَيْ: الَّذِي لَهَا- وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَ(شَيْءٌ بِمَوْتِهَا) وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَنِصْفُ شَيْءٍ (صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ إلَّا نِصْفِ شَيْءٍ، وَوَرِثَ اثْنَيْنِ وَنِصْفًا وَنِصْفَ شَيْءٍ (يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ) لِأَنَّهُ مِثْلَا مَا اسْتَحَقَّتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ (اُجْبُرْهُمَا)- أَيْ: الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ (بِنِصْفِ شَيْءٍ) بِأَنْ تُقَدِّرَ إضَافَةَ نِصْفِ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ، فَتَصِيرَ سَبْعَةً وَنِصْفًا تَامَّةً (وَقَابِلْ) الْجَبْرَ بِتَقْدِيرِ إضَافَةِ نِصْفِ شَيْءٍ عَلَى الشَّيْئَيْنِ، فَتَصِيرُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا (يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً) لِأَنَّ السِّتَّةَ تُقَابِلُ شَيْئَيْنِ، وَالْوَاحِدُ وَنِصْفٌ تَكْمِلَةُ السَّبْعَةِ وَنِصْفٌ تُقَابِلُ نِصْفَ شَيْءٍ (فَلِوَرَثَتِهِ)- أَيْ: الزَّوْجِ- (سِتَّةٌ) لِأَنَّ لَهُمْ شَيْئَيْنِ (وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ) لِأَنَّهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ وَهُوَ- أَيْ: الشَّيْءُ- ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ نِصْفُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَالطَّرِيقُ فِي هَذَا أَنْ تَنْظُرَ مَا بَقِيَ فِي يَدِ وَرَثَةِ الزَّوْجِ، فَخُمُسَاهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا وَالشَّيْءُ هُوَ خُمْسَاهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطْتَ خَمْسَةً وَأَخَذْتَ نِصْفَ مَا بَقِيَ (وَإِنْ مَاتَ) زَوْجُهَا (قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ)- أَيْ: وَرِثَتْ- فَرْضَهَا مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ (وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ) فَلَا تَصِحُّ نَصًّا إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ، فَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ لِنَحْوِ مُخَالَفَةِ دِينٍ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَثُلُثُ مَا حَابَاهَا بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَمَنْ وَهَبَ زَوْجَتَهُ كُلَّ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ) ثُمَّ مَاتَ (فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِوَرَثَتِهَا خُمْسُهُ) وَطَرِيقُهُ بِالْجَبْرِ أَنْ تَقُولَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ؛ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ، فَإِذَا أَجْبَرَتْ، وَقَابَلَتْ خَرَجَ الشَّيْءُ خُمْسَيْ الْمَالِ وَهُوَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ، فَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلِعَصَبَتِهَا خُمُسُهُ انْتَهَى.
وَوَجْهُ إفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ أَنَّا تَبَيَّنَّا بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ فَتَصِحُّ فِي ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ صَحَّتْ فِي قَدْرٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْهِبَةِ، وَعَادَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَيَزِيدُ ثُلُثُهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا زَادَ ثُلُثُهُ زَادَ الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ فَيَدُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمِيرَاثُ، وَلَا يُعْلَمُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ، فَيُعْمَلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ، لِأَنَّهَا تُخْرِجُ الْمَجْهُولَاتِ؛ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ، فَيُقَالُ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَجْهُولِ الْقَدْرِ، وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ، فَيَبْقَى لِوَرَثَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ، وَلِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّا صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ مِثْلَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَبَقِيَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ شَيْئًا يَكُونُ الثُّلُثَانِ شَيْئَيْنِ، فَاجْبُرْ الْمَالَ بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى مَا يُعَادِلُهُ نِصْفَ شَيْءٍ مِثْلَ مَا جَبَرَتْ بِهِ، يَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ خُمْسَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِوَرَثَةِ الزَّوْجِ الشَّيْئَيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَلِعَصَبَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ وَهُوَ خُمْسُ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(فَصْلٌ): [إقرارُ الهبةِ]:

(وَلَوْ) (أَقَرَّ) مَرِيضٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي صِحَّتِهِ حَالَ كَوْنِ إقْرَارِهِ (بِمَرَضِهِ) أَيْ: مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (أَنَّهُ أَعْتَقَ نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (فِي) حَالِ (صِحَّتِهِ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَهُ (أَوْ مَلَكَ) الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَكَانَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ فِي الْمَرَضِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةِ عَتَقَ) الْمُقَرُّ بِعِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْحَادِثِ مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِيهِ، إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ؛ فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ، فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ الشَّيْءِ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ، وَفَارَقَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ فِي ثَمَنِهِ (وَوَرِثَ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَصِيَّةً، وَإِلَّا لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ (فَلَوْ) (اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِهِ) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِمِائَةٍ) وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا سِوَى مِائَتَيْنِ (وَ) هُوَ (يُسَاوِي أَلْفًا) فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمَرِيضِ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ: فَلَا يُحْتَسَبُ بِهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا عَلَيْهَا، وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ إنْ خَرَجَ ثَمَنُهُ مِنْ الثُّلُثِ (وَتَحْسِبُ الثَّمَنَ) الَّذِي هُوَ الْمِائَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ. (وَثَمَنُ كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْمَرِيضِ- إذَا اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ، فَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ أَجْنَبِيًّا. فَلَوْ كَانَ ابْنًا وَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ غَيْرُهُ ابْنٌ حُرٌّ وَأَلْفَانِ؛ عَتَقَ وَشَارَكَ أَخَاهُ فِي الْأَلْفَيْنِ. (وَيَرِثُ) مِنْ الْمَرِيضِ ذُو رَحِمِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ ثُلُثِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ (فَلَوْ اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ) وَمَاتَ (وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ)- أَيْ: الثُّلُثِ- لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرَ لِسَبَبِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) الْأَبُ (بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَوْقُوفِ) لِأَنَّ فَرْضَهُ السُّدُسُ لَوْ كَانَ تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، فَلَهُ بِثُلُثِهَا ثُلُثُ السُّدُسِ (وَلَا وَلَاءَ) لِأَحَدٍ (عَلَى هَذَا الْجُزْءِ) الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ) وَهِيَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَبِ وَثُلُثَا سُدُسِهِ (تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ) بِمِلْكِهِ لَهَا مِنْ جَدِّهِ (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ (وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، تِسْعَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الثُّلُثُ تَعْتِقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا، وَسَهْمٌ مِنْهَا يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ، (وَهُوَ ثُلُثُ سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ، وَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ تَعْتِقُ عَلَيْهِ) وَلَهُ وَلَاؤُهَا. (وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَرِيضُ أَبَاهُ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ (تِسْعَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيمَتُهُ)- أَيْ: الْأَبِ (سِتَّةٌ؛ تَحَاصَّا)- أَيْ: الْبَائِعُ وَالْأَبُ فِي ثُلُثِ التِّسْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارِنٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِثَمَنِهِ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ عَطِيَّتَانِ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ، مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَعِتْقُ الْأَبِ. وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَطِيَّةٌ مُنَجَّزَةٌ، فَتَحَاصَّا لِتَقَارُنِهِمَا (فَكَانَ ثُلُثُ الثُّلُثِ)- وَهُوَ دِينَارٌ- (لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً، وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ) مِنْ الْمُحَابَاةِ (دِينَارَيْنِ) لِبُطْلَانِهِمَا فِيهِمَا (وَيَكُونُ ثُلُثَا) رَقَبَةِ (الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ) اللَّذَيْنِ رَدَّهُمَا الْبَائِعُ (مِيرَاثًا) يَرِثُ مِنْهُ الْأَبُ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقِي جَدِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ عَتَقَ) مَنْ اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَقَارِبِهِ (عَلَى وَارِثِهِ) دُونَهُ؛ بِأَنْ يَكُونَ أَخًا لِابْنِ عَمِّهِ الْوَارِثِ لَهُ، فَاشْتَرَاهُ (صَحَّ) شِرَاؤُهُ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى أَخِيهِ- لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثِهِ لَهُ مِنْ ابْن عَمِّهِ، فَلَا يَرِثُ مَعَهُ (وَإِنْ دَبَّرَ) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ عَمِّ أَبِيهِ (عَتَقَ) بِمَوْتِهِ (وَلَمْ يَرِثْ) مِنْهُ (لِأَنَّ الْإِرْثَ قَارَنَ الْحُرِّيَّةَ وَلَا سَبْقَ) فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِرْثِ حِينَئِذٍ. وَإِنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ (أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي) ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ؛ (عَتَقَ) ابْنُ عَمِّهِ وَنَحْوُهُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) لِسَبْقِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ؛ كَمَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ مَاتَ أَخُوك الْحُرُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا مَاتَ أَخُوهُ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَالَ الْإِرْثِ (وَلَيْسَ عِتْقُهُ)- أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي- (وَصِيَّةٌ) لَهُ حَتَّى يَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا إنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ: (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ) قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ (مَعَهُ)- أَيْ: مَعَ مَوْتِي؛ لَمْ يَرِثْ لِمُقَارَنَةِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، وَعَدَمِ سَبْقِهَا لَهُ. (وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ) ثُمَّ مَاتَ، (وَرِثَتْهُ) نَصًّا حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَعَتَقَتْ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَصَحَّ النِّكَاحُ) لِحُرِّيَّتِهَا التَّامَّةِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ بِتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ؛ إذْ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (عَتَقَ) مِنْهَا (قَدْرُهُ)- أَيْ: قَدْرُ مَا يُقَابِلُ الثُّلُثَ- كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَبَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَكَحَ مُبَعَّضَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا، فَيَبْطُلُ إرْثُهَا لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ، وَهُوَ النِّكَاحُ. (وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، ثُمَّ مَاتَ؛ صَحَّ الْعِتْقُ) وَالنِّكَاحُ (وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا، فَيَبْطُلُ صَدَاقُهَا) لِأَنَّهَا إذَا اسْتَحَقَّتْ الصَّدَاقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ الْأَمَةِ الْمُقَدَّرِ بَقَاؤُهَا، فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي كُلِّهَا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ بَطَلَ الصَّدَاقُ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَأَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةً وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مَالٌ صَحَّ الْإِصْدَاقُ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْمَوْتِ، وَحَالَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ. (وَلَوْ تَبَرَّعَ) الْمَرِيضُ (بِثُلُثِهِ) فِي الْمَرَضِ (ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ وَنَحْوَهُ) كَأُمِّهِ وَأَخِيهِ (مِنْ الثُّلُثَيْنِ؛ صَحَّ الشِّرَاءُ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ (وَلَا عِتْقَ) لِمَا اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَرَثَةِ بِتَقْدِيرِ مَوْتِهِ (فَإِذَا مَاتَ) الْمَرِيضُ (عَتَقَ) الْأَبُ وَنَحْوُهُ (عَلَى وَارِثِهِ) لِمِلْكِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَعَتَقَ. وَمَحِلُّ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الَّذِي اشْتَرَاهُ (مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ)- أَيْ: عَلَى وَارِثِ الْمَرِيضِ- كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَبًا لِلْمَرِيضِ أَوْ أُمًّا لَهُ، وَالْوَارِثُ ابْنًا لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَدُّهُ أَوْ جَدَّتُهُ (وَلَا إرْثَ لَهُ)- أَيْ: الْعَتِيقِ إذَنْ (لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ) بَلْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ حُرِّيَّةُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ.
تَتِمَّةٌ:
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً أَعْتَقْتَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَتَزَوَّجَهَا بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ، وَخَلَفَتْ مِائَةً اقْتَضَى قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنْ تَضُمَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمِائَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ التَّرِكَةُ، وَيَرِثُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ.

.(كِتَابُ الْوَصِيَّةِ):

يُقَالُ: وَصَّى تَوْصِيَةً وَأَوْصَى إيصَاءً وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا- وَالْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَقَضَايَا جَمْعُ قَضِيَّةٍ. وَأَصْلُهُ وَصَائِيٌّ- بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ- بَعْدَ الْمَدِّ تَلِيهَا يَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ الْعَارِضَةُ فِي الْجَمْعِ، وَقُلِبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ: وَصَاآ فَكَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ فَقَلَبُوهَا يَاءً فَصَارَ وَصَايَا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ جَمْعَهُ فَعَالَى، وَإِنَّ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ خِلَافُ جَمْعِ الصَّحِيحِ لَكَانَ حَسَنًا انْتَهَى.
وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ إذَا وَصَلْتُهُ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ وَصَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِ مَمَاتِهِ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً: الْأَمْرُ.
قَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} وَقَالَ: «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ»: وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. وَشَرْعًا: (الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَأَنْ يُوصِيَ إلَى إنْسَانٍ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ أَوْ غَسْلِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا أَوْ الْكَلَامِ عَلَى صِغَارِ أَوْلَادِهِ أَوْ تَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ وَنَحْوَهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أَوْ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ وَقَالَا فِيهِ: سَبْعِينَ سَنَةً. وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ، وَوَصَّى بِهَا عُمَرُ إلَى أَهْلِ الشُّورَى. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ يَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ مِنْ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَوْتِ مُخْرِجٌ لِلْوَكَالَةِ، وَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ لِأَجْنَبِيٍّ؛ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُوبِهَا، وَلَا لِقَرِيبٍ. وَآيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} مَنْسُوخَةٌ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْحَدُّ السَّابِقُ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَصِيَّةُ (بِمَالٍ: التَّبَرُّعِ بِهِ)- أَيْ: الْمَالِ- (بَعْدَ الْمَوْتِ)، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ؛ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إذَا عَرَفَ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا)- أَيْ: الْوَصِيَّةِ- (الْقُرْبَةُ؛ لِصِحَّتِهَا لِنَحْوِ حَرْبِيٍّ) بِدَارِ حَرْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ كَمَا تَصِحُّ هِبَتُهُ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ.
(وَ) تَصِحُّ (لِمُرْتَدٍّ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَأْتِي. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مُطْلَقَةً كَأَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَ) تَصِحُّ (مُقَيَّدَةً كَإِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي) هَذَا (أَوْ بَلَدِي) هَذَا أَوْ عَامِي (هَذَا) فَلِزَيْدٍ كَذَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ، فَمَلَكَ تَعْلِيقَهُ كَالْعِتْقِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ مُوصٍ وَوَصِيَّةٌ وَمُوصَى بِهِ وَمُوصَى لَهُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ كُلِّ) إنْسَانٍ (عَاقِلٍ) رَشِيدٍ (لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ). قَالَهُ فِي الْكَافِي فَإِنْ عَايَنَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ الرِّعَايَةِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَلَكُ أَوْ مَا دَامَ مُكَلَّفًا أَوْ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَيْ تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ؟ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَالصَّوَابُ: تُقْبَلُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغْت الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ». وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إمَّا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الْخَطَّابِيِّ، وَالْمُرَادُ قَارَبَتْ بُلُوغَ الْحُلْقُومِ إذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً؛ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصِي (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهَا)- أَيْ: الْوَصِيَّةَ- رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ وَوَرَثَتُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةَ عَمٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلْيُوصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ: بِئْرُ جُشَمَ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، فَبَعَثَ ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، وَهَذِهِ قِصَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يُحَصَّلُ ثَوَابُهَا لَهُ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ الْمُنْجَزِ، فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ مِنْ مَالٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا رُدَّتْ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَهَاهُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، فَإِذَا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُهَا مِنْ الْبَالِغِ صَحَّتْ مِنْهُ، وَمَا لَا فَلَا.
قَالَ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةُ وَهُمَا قَاضِيَانِ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ (أَوْ) كَانَ الْمُوصِي (كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ هِبَتُهُ صَحِيحَةٌ فَوَصِيَّتُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) كَانَ (قِنًّا) أَوْ مُدَبِّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فِي غَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ لَهُمْ عِبَادَةً صَحِيحَةً وَأَهْلِيَّةً تَامَّةً، وَأَمَّا وَصِيَّتَهُمْ فِي الْمَالِ إنْ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ؛ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ؛ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِمْ. وَمَنْ عَتَقَ مِنْهُمْ، ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ كَالْفَقِيرِ إذَا وَصَّى وَلَا مَالَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَغْنَى صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ (أَوْ) كَانَ (سَفِيهًا) وَوَصَّى (بِمَالٍ) فَتَصِحُّ؛ لِتَمَحُّضِهَا نَفْعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَعِبَادَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَيْسَ فِي الْوَصِيَّةِ إضَاعَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ كَانَ مَالُهُ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ثَوَابُهُ لَهُ، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (عَلَى وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَوَصِيُّهُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَظِّ الْغُرَمَاءِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دُيُونِهِ (أَوْ) كَانَ (أَخْرَسَ) فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (بِإِشَارَةٍ تُفْهَمُ)؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ عُرْفًا، فَهِيَ كَاللَّفْظِ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ.
وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إنْ كَانَ الْمُوصِي (مُعْتَقَلًا لِسَانُهُ) بِإِشَارَةٍ- وَلَوْ فُهِمَتْ- (إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْ نُطْقِهِ كَقَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ؛ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِمَا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قِيلَ لَهَا فِي مَرَضِهَا أَوْصِي بِكَذَا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا؛ فَلَمْ يُجِزْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ (سَكْرَانَ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَاقِلٍ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ وَطَلَاقُهُ إنَّمَا وَقَعَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (مُبَرْسَمًا) لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا، وَوَصَّى فِي إفَاقَتِهِ؛ صَحَّتْ. وَلَا تَصِحُّ مِنْ طِفْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْوَصِيَّةَ وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ.
فَائِدَةٌ:
الضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إنْ مَنَعَ ضَعْفُهُ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ؛ فَكَسَفِيهٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ، لَا عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ رُشْدَهُ؛ فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِخَطٍّ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّ مُوصٍ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ) أَنَّهُ خَطُّهُ (أَوْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُ خَطُّهُ) وَيُعْمَلُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْوَارِثَ إذَا وَجَدَ فِي دَفْتَرِ مُوَرِّثِهِ [إنَّ] لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا؛ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي دَفْتَرِهِ: إنِّي أَدَّيْت إلَى فُلَانٍ مَا عَلَيَّ؛ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ إنْ وَثِقَ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا: «بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَهِيَ كَاللَّفْظِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنْ كَانَ عُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورٌ الْخَطُّ يَنْفُذُ مَا فِيهَا. فَإِنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلْقَاضِي حَيْثُ اعْتَبَرَ مُعَايَنَةَ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ اسْتِقْرَارًا لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ انْتَهَى.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا يَأْتِي، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا عُمِلَ بِهَا (وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ تَغَيَّرَ حَالُ مُوصٍ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ، فَيَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ أَوْ يُقْتَلَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ)- أَيْ: الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ- وَ(لَا) تَصِحُّ (إنْ خَتَمَهَا) مُوصٍ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا) مَخْتُومَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ مَا فِيهَا (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا)- أَيْ: الْوَصِيَّةَ- (بِخَطِّهِ)- أَيْ: الْمُوصِي- فَلَا يُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمَا فِيهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا فِيهَا، لَكِنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ، لَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَعَكْسُ الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ؛ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ احْتِيَاطًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّهَا سُومِحَ فِيهَا بِصِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ، وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا بِالْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَالرِّوَايَةِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِ وَصِيَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ) ابْنُ فُلَانٍ (أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ؛ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأُوصِي مَنْ تَرَكْت مِنْ أَهْلِي أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَأُوصِيهِمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: {يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}). لِمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: هَكَذَا كَانُوا يُوصُونَ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَفِي أَوَّلِهِ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى. (وَتَجِبُ) الْوَصِيَّةُ (عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ) كَدَيْنٍ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ (بِلَا بَيِّنَةٍ) أَوْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ (فـَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُوصِيَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَاجِبٌ. (وَتُسَنُّ) الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا). لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}. نَسَخَ الْوُجُوبَ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّرْكِ، بَقِيَ الرُّجْحَانُ، وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا ابْنَ آدَمَ جَعَلْتُ لَك نَصِيبًا مِنْ مَالِك حِينَ أَخَذْتَ بِكَظْمِكَ لِأُطَهِّرَك وَأُزَكِّيَك». (وَهُوَ) أَيْ: الْخَيْرُ (الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا) فَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي تَقْدِيرِهِ (بِخُمُسِهِ)- أَيْ: مَالِهِ- مُتَعَلِّقٌ بِتُسَنُّ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَصَّيْت بِمَا رَضِيَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ) لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَارِثُونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». وَبَقِيَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمْ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلُ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ فَقِيرٌ وَتَرَكَ خَيْرًا (فـَ) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ (لِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ) فَقِيرٍ (وَدَيْنِ) فَقِيرٍ وَابْنِ سَبِيلٍ وَغَازٍ (وَتُكْرَهُ) وَصِيَّةٌ (لِفَقِيرٍ)- أَيْ: مِنْهُ- إنْ كَانَ (لَهُ وَرَثَةٌ) مَحَاوِيجُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنْ تَتْرُكْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً». وَلِأَنَّ إعْطَاءَ الْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ خَيْرٌ مِنْ إعْطَاءِ الْغَنِيِّ، فَمَتَى لَمْ يَبْلُغْ الْمِيرَاثُ غِنَاهُمْ كَانَ تَرْكُهُ لَهُمْ كَعَطِيَّتِهِمْ إيَّاهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَفَقْرِهِمْ (إلَّا مَعَ غِنَاهُمْ)- أَيْ: الْوَرَثَةِ- (فَتُبَاحُ) الْوَصِيَّةُ.
قَالَ فِي «التَّبْصِرَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِنَحْوِ رَحِمٍ) كَفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ (بِجَمِيعِ مَالِهِ). رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ مَنْعَ مُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ ثَبَتَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَحَيْثُ لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَفِي الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ. (فَلَوْ) مَاتَ وَ(وَرِثَهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ) لَا غَيْرُ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ (وَرَدَّهَا) أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (بِالْكُلِّ)- أَيْ: كُلِّ الْمَالِ- (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِي قَدْرِ فَرْضِهِ)- أَيْ: الرَّادِّ- (مِنْ ثُلُثَيْهِ)- أَيْ: الْمَالِ- فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا بَطَلَتْ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجَةً بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ؛ لِأَنَّ لَهَا رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ، (فَيَأْخُذُ وَصِيٌّ)- أَيْ: مُوصَى لَهُ- (الثُّلُثَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ، (ثُمَّ) يَأْخُذُ (ذُو الْفَرْضِ) وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمِثَالِ (فَرْضَهُ مِنْ ثُلُثَيْهِ) الْبَاقِيَيْنِ بَعْدَ أَخْذِ الْمُوصِي لَهُ، فَيَأْخُذُ رُبْعَ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ سُدُسٌ إنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجَةً، وَنِصْفَهُمَا وَهُوَ الثُّلُثُ إنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا (ثُمَّ تَتِمُّ الْوَصِيَّةُ مِنْهُمَا)- أَيْ: الثُّلُثَيْنِ-؛ أَيْ: مِنْ الْبَاقِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَأْخُذَانِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضَيْهِمَا، وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُوصٍ وَارِثٌ أَصْلًا. (وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا)- أَيْ: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ- (لِلْآخَرِ) بِكُلِّ مَالِهِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ (فَلَهُ)- أَيْ: الْمُوصَى لَهُ- (كُلُّهُ)- أَيْ: كُلُّ الْمَالِ- فَيَأْخُذُهُ جَمِيعَهُ (إرْثًا وَوَصِيَّةً) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا. (وَتَحْرُمُ) الْوَصِيَّةُ (وَلَوْ) كَانَتْ (لِصَحِيحٍ)- أَيْ: مِنْهُ- إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ (مِمَّنْ يَرِثُهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ (غَيْرَ زَوْجٍ أَوْ) غَيْرَ (زَوْجَةٍ، وَيَتَّجِهُ) كَوْنُ الزَّوْجَيْنِ (أَجْنَبِيَّيْنِ) إذْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَارِثًا لَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ وَارِثًا بِغَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْوَصِيَّةُ فِي صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: «أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. (وَتَصِحُّ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَيَقِفُ نُفُوذُ) هَا (عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ». وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ؛ وَلَوْ خَلَا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَعْنَاهُ لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةٌ أَوْ لَازِمَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَصِّصَانِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ سَقَطَ. (وَلَوْ وَصَّى) مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (لِكُلِّ وَارِثٍ) مِنْهُمْ (بِمُعَيَّنٍ) مِنْ مَالِهِ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) صَحَّ، أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ كَرَجُلٍ خَلَفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَخَلَفَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَوَصَّى لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ وَلِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَاوَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعِ الْمَالِ (أَوْ) وَصَّى (بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ)- أَيْ: الْوَرَثَةِ- (صَحَّ) ذَلِكَ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمَلَّكُ مِلْكًا تَامًّا، لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بِهِ. (وَكَذَا وَقْفٌ زَائِدٌ) عَلَى الثُّلُثِ إذَا (أُجِيزَ) فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ (وَلَوْ مَعَ وَحْدَةِ وَارِثٍ) مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَمَنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِوَصَايَاهُ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ (بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ) فَلَوْ وَصَّى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، وَبِثَلَاثِينَ لِفِدَاءِ أَسِيرٍ، وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ، وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مِائَةً وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْوَصَايَا ثَلَاثَمِائَةٍ نُسِبَتْ مِنْهَا الثُّلُثُ فَهُوَ ثُلُثُهَا، فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ. (وَإِنْ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ (عِتْقًا) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَهَا)- أَيْ: الْوَصِيَّةَ- بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ (وَرَثَةٌ بِلَفْظِ إجَازَةٍ) كَأَجَزْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (إمْضَاءٍ) كَأَمْضَيْتُهَا (أَوْ) بِلَفْظِ (تَنْفِيذٍ) كَنَفَّذْتُهَا (لَزِمَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، كَمَا تَبْطُلُ بِرَدِّهِمْ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ أَسْقَطَ مَرِيضٌ عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ، أَوْ أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِهَا الْمَخُوفِ؛ فَكَالْوَصِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ فِيهِ، وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَارِثِهِ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْعَ الْوَارِثِ؛ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَتَنْفُذُ حُكْمًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.